نوعان من التناقضات مختلفان من حيث طابعهما

إن بلادنا لم تكن ، في أي وقت مضى ، متحدة كما هي عليه اليوم . فبفضل انتصار الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية ، وكذلك بفضل النجاحات التي حققناها في البناء الاشتراكي ، تغيير وجه الصين القديمة سريعا . إن مستقبلا أكثر إشراقا ينفتح أمام وطننا . وقد ولى إلى غير رجعة ذلك الوضع الممقوت من الشعب والذي كانت فيه البلاد منقسمة تسودها الفوضى والاضطراب . وشعب بلادنا البالغ 600 مليون إنسان يعمل الآن كرجل واحد ، بقيادة طبقة العمال والحزب الشيوعي ، على البناء الاشتراكي العظيم . إن وحدة البلاد ، واتحاد الشعب ، واتحاد جميع القوميات داخل البلاد ، هي الضمانات الأساسية التي تكفل الانتصار الأكيد لقضيتنا . ولكن هذا لا يعني بتاتا أن مجتمعنا بات خاليا من كل تناقض . إن فكرة عدم وجود التناقضات هي فكرة ساذجة لا تنطبق على الواقع الموضوعي . إننا نواجه نوعين من التناقضات بيننا وبين أعدائنا ، والتناقضات بين صفوف الشعب . وهذان النوعان من التناقضات يختلفان اختلافا تاما من حيث طابعهما .

ولكي ندرك إدراكا صحيحا هذين النوعين المختلفين من التناقضات وهما التناقضات بيننا وبين أعدائنا والتناقضات بين صفوف الشعب ، ينبغي لنا قبل كل شيء أن نوضح من هو (( الشعب )) ومن هم (( الأعداء)) . إن لكلمة (( الشعب )) مفهوما يختلف باختلاف البلدان وباختلاف الفترات التاريخية التي يمر بها كل بلد . لنأخذ الوضع في بلادنا مثلا . ففي فترة حرب المقاومة ضد الغزاة اليابانيين كان الشعب يتألف من جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية التي كانت تقاوم العدوان الياباني ، بينما كان الاستعماريون اليابانيون والخونة والعناصر الموالية لليابان هم أعداء الشعب . وفي فترة الحرب التحررية كان الاستعماريون الأميركيون وأذنابهم – البرجوازية البيروقراطية والملاكون العقاريون والرجعيون المنتمون إلى الكومينتانغ الذين يمثلون هاتين الطبقتين – هم أعداء الشعب ، وكان الشعب يشمل آنذاك جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية التي كانت تقف ضد هؤلاء الأعداء . أما في المرحلة الحاضرة ، مرحلة بناء الاشتراكية ، فإن الشعب يشمل جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية التي تستحسن وتساند قضية البناء الاشتراكي وتسهم فيها ، وان اعداء الشعب هم جميع القوى الاجتماعية والكتل الاجتماعية التي تقاوم الثورة الاشتراكية والتي تقف من البناء الاشتراكي موقفا عدائيا وتعمل على تقويضه .

إن التناقضات بيننا وبين أعدائنا هي تناقضات عدائية . أما في صفوف الشعب ، فإن التناقضات فيما بين الشغيلة هي تناقضات غير عدائية ، في حين أن التناقضات بين الطبقات المستثمَرة والطبقات المستثمِرة تحوي إلى جانبها العدائي جانبا آخر غير عدائي . والتناقضات بين صفوف الشعب ليست وليدة اليوم ، إلا أن محتواها يختلف في كل فترة من فترات الثورة وفي فترة البناء الاشتراكي . وفي ظروف الصين الراهنة ، تتضمن التناقضات بين صفوف الشعب : التناقضات داخل طبقة العمال ، والتناقضات داخل طبقة الفلاحين، والتناقضات بين المثقفين ، والتناقضات بين العمال وطبقة الفلاحين ، والتناقضات بين العمال والفلاحين من جهة والمثقفين من جهة أخرى ، والتناقضات بين طبقة العمال وسائر الشغيلة من جهة والبرجوازية الوطنية من جهة أخرى ، والتناقضات بين البرجوازية الوطنية من جهة أخرى ، والتناقضات بين البرجوازية الوطنية ، إلخ . . إن حكومتنا الشعبية هي حكومة تمثل مصالح الشعب حق التمثيل وتخدم الشعب ، إلا أن بينها وبين الجماهير الشعبية أيضا تناقضات معينة ، هي التناقضات بين مصالح الدولة ومصالح الجماعة وبين المصالح الشخصية ، والتناقضات بين الديمقراطية والمركزية ، والتناقضات بين القادة وبين من هم تحت قيادتهم ، والتناقضات بين الأسلوب البيروقراطي الذي يتبعه بعض موظفي دوائر الدولة الدولة وبين الجماهير . هذه أيضا من التناقضات القائمة بين صفوف الشعب . إن التناقضات بين صفوف الشعب هي ، بوجه عام ، تناقضات قائمة على أساس كون مصالح الشعب واحدة بصورة أساسية .

والتناقضات بين طبقة العمال وبين البرجوازية الوطنية في بلادنا هي في عداد التناقضات بين صفوف الشعب . كما أن النضال الطبقي بينهما يعود بالإجمال إلى النضال الطبقي داخل صفوف الشعب ، ذلك لأن للبرجوازية الوطنية في بلادنا طابعا مزدوجا . ففي مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية ، كانت هذه البرجوازية ثورية من جهة ومائلة للمساومة مع العدو من جهة اخرى . وفي مرحلة الثورة الاشتراكية ، تقوم من جهة باستثمار طبقة العمال وتجني من ذلك الأرباح ، وهي في الوقت ذاته تساند الدستور وتستعد لقبول التحويل الاشتراكي . إن البرجوازية الوطنية تختلف عن الاستعماريين وعن الملاكين العقاريين والبرجوازية البيروقراطية . أما التناقضات القائمة بين طبقة العمال والبرجوازية الوطنية فهي تناقضات بين مستثمَرين ومستثمِرين وهذه التناقضات هي في الأصل عدائية . غير أنه من الممكن ، في ظروف بلادنا الخاصة ، أن تُحول إلى تناقضات غير عدائية وتحل بالطرق السلمية ، إذا ما عولجت بطريقة صائبة . أما إذا أخطأنا في معالجة هذه التناقضات ولم نَسلُك تجاه البرجوازية الوطنية سياسة الاتحاد والنقد والتثقيف ، أو إذا رَفضت البرجوازية الوطنية سياستنا هذه ، فإن التناقضات بين العمال والبرجوازية الوطنية ستتحول إلى تناقضات بيننا وبين أعدائنا .

وبما أن التناقضات بيننا وبين أعدائنا والتناقضات بين صفوف الشعب تشكلان نوعين من التناقضات مختلفين من حيث طابعهما ، فإن سبل حلهما كذلك مختلفة . وموجز القول أن النوع الأول من التناقضات يتعلق بمسألة رسم خط فاصل بيننا وبين أعدائنا ، أما النوع الثاني منها فهو يتعلق بمسألة التمييز بين الحق والباطل . وطبيعي أن مسألة رسم خط فاصل بيننا وبين أعدائنا هي في الوقت ذاته مسألة تمييز بين الحق والباطل . من ذلك مثلا أن مسألة من هو على حق ، نحن أم القوى الرجعية الأجنبية والداخلية التي تشمل الاستعمار والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية ، هي أيضا مسألة تمييز بين الحق والباطل ، إلا أنها مسألة تختلف طبيعتها عن طبيعة مسألة الحق والباطل القائمة داخل صفوف الشعب .

إن دولتنا هي دولة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية التي تقودها طبقة العمال وتقوم على أساس تحالف العمال والفلاحين . فما هي وظائف هذه الدكتاتورية ؟ إن وظيفتها الأولى هي ، في الداخل ، كبت الطبقات الرجعية والرجعيين والمستثمِرين المناهضين للثورة الاشتراكية ، وكبت جميع من يعملون على تقويض البناء الاشتراكي، ذلك لحل التناقضات بيننا وبين أعدائنا في داخل البلاد . ويدخل في نطاق وظائف دكتاتوريتنا ، على سبيل المثال ، اعتقال بعض العناصر المناهضة للثورة والحكم عليها ، وحرمان الملاكين العقاريين والبرجوازيين البيروقراطيين من الحقوق الانتخابية ومن حرية الكلام لفترة محددة .ومن أجل تأمين النظام العام وضمان مصالح الجماهير الغفيرة ، يجب أيضا تطبيق الدكتاتورية على اللصوص والمحتالين والقتلة ومرتكبي جرائم الإحراق بالعمد وعصابات الأشقياء وسائر الأشرار الذين يخلون بالنظام العام بشكل خطير . وللدكتاتورية وظيفة أخرى هي: حماية الدولة من النشاطات الهدامة التي يقوم بها الأعداء من بلاد أخرى ومن العدوان الخارجي المحتل . فإذا ما وقع ذلك ، كان على الدكتاتورية أن تتولى مهمة حل التناقضات بيننا وبين أعدائنا من الخارج . إن هدف هذه الدكتاتورية هو حماية شعبنا كله حتى يستطيع أن يعمل في سلام ويحول الصين إلى دولة اشتراكية ذات صناعة حديثة وزراعة حديثة وعلم وثقافة حديثين . فمن الذي يمارس هذه الدكتاتورية ؟ من الطبيعي أن طبقة العمال والشعب الذي تقوده هذه الطبقة هما اللذان يمارسان هذه الدكتاتورية. إن الدكتاتورية لا تطبق داخل صفوف الشعب . فلا يصح أن يمارس الشعب الدكتاتورية على نفسه ، وأن يضطهد قسم من الشعب قسما آخر منه . يجب طبعا إنزال العقوبات ، طبقا للقانون ، على مخالفي القانون من أفراد الشعب ، إلا أن بين هذا وبين استخدام الدكتاتورية لقمع أعداء الشعب فرقا مبدئيا . إن ما يطبق داخل صفوف شعبنا هو المركزية الديمقراطية . وينص دستورنا على أن المواطنين في جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية الكلام ، والصحافة ، والاجتماع ، وتأليف الجمعيات ، وحرية تأليف المواكب والتظاهرات ، وحرية العقائد الدينية ، وغيرها من الحريات . وينص دستورنا أيضا أنه تطبق المركزية الديمقراطية في أجهزة الدولة وأنه يجب على أجهزة الدولة أن تستند إلى الجماهير الشعبية وعلى العاملين فيها أن يخدموا الشعب . إن ديمقراطيتنا الاشتراكية هي أوسع ديمقراطية لا يمكن أن توجد في أية دولة برجوازية على الإطلاق .إن دكتاتوريتنا تعرف باسم الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية التي تقودها طبقة العمال وتقوم على أساس تحالف العمال والفلاحين . وهذا معناه تطبيق الديمقراطية داخل صفوف الشعب بينما تقوم طبقة العمال ، بالاتحاد مع كل الذين يتمتعون بالحقوق المدنية وفي مقدمتهم الفلاحون ، بممارسة الدكتاتورية على الطبقات الرجعية والرجعيين والعناصر التي تناهض التحويلات الاشتراكية وتقاوم البناء الاشتراكي .والتمتع بالحقوق المدنية معناه ، من الناحية السياسية ، التمتع بالحق في الحرية وفي الديمقراطية .

Advertisement