كان الجدل محتدما خلال الثمانينات في ما يتعلق بتاريخ الحركة الطلابية الخاص بفترة الخمسينات والسبعينات حول تأسيس الاتحاد العام لطلبة تونس بين جميع التيارات السياسية التي كانت تنشط في الجامعة.. الإسلاميون (الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية) والبعثيون (الطليعة الطلابية العربية) اعتبروا أن منظمة الاتحاد العام لطلبة تونس كانت من تأسيس الحزب الحر الدستوري الزيتوني (التجمع الدستوري الديمقراطي حاليا) لتدجين الحركة الطلابية والقضاء على منظمة صوت الطالب الزيتوني. والماركسيون (النقابيون الثوريون والوطنيون الديمقراطيون والماركسيون الثوريون..) اعتبروا أن الاتحاد العام لطلبة تونس رغم نشأته على يد أغلبية دستورية فإنه كان تأسيسا في غمرة النضال الوطني ضد المستعمر، وبقيت توجهاته تقدمية، بل تجذرت هذه التوجهات بوصول أغلبية يسارية لقيادته خلال مؤتمر قربة عام 1971، سرعان ما انقلبت عليها الأقلية الدستورية.
كانت تلك القراءات هي كل ما يتداوله الطلبة ولا زال البعض منهم يتداوله إلى حد الآن، واختلط في ذلك الإيديولوجي بالحقائق التاريخية. مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات (مقرها تونس) وفرت فرصة للباحثين في تاريخ الحركة الطلابية التونسية للاستماع لأبرز الفاعلين الطلابيين خلال الخمسينات والسبعينات وهم يقدمون شهاداتهم حول تلك الفترات حيث نظمت لقاء مع محمد التريكي ومنصور معلى وحامد الزغزل وهم من أبرز مؤسسي الاتحاد العام لطلبة تونس سنة 1953، وأردفته بلقاء ثان مع عيسى البكوش ومنصف الشابي وهما مؤتمران خلال مؤتمر قربة 1971

ونظرا لأهمية المعلومات التي وردت في شهاداتهم والتي لم تذكرها كاملة الصحافة التونسية فإننا نورد ما جاء فيها وذلك لتوفير مادة بحثية للمختصين في تاريخ الزمن الحاضر التونسي.


اللقاء الأول: محمد التريكي ومنصور معلى وحامد الزغل
 الاتحاد العام لطلبة تونس: تأسيس دستوري وارتباط بمؤسسات الحزب الدستوري والصراع مع الزيتونيين كان مريرا
استهل السيد محمد التريكي شهادته قائلا: “إن تاريخ الاتحاد العام لطلبة تونس في حاجة للمراجعة إذ هناك الكثير من المزايدات والمغالطات وقلب الحقائق عن قصد وعن غير قصد. الساحة الشبابية في تونس قبل الاتحاد.ع.ط.ت تدعو للتأمل. قبل 18 جانفي 1952 كانت هناك منظمات نشيطة، جمعية قدماء الصادقية وجمعية الحقوقيين التونسيين (رئيسها عزوز الرباعي) وجمعية الطلبة التونسيين بالمدرسة القومية للإدارة. فكرالمسؤولون الحزبيون في بعث اتحاد لشباب تونس ووقعت اجتماعات في الكشافة. ويوم 16 ديسمبر 1951 في جمعية الصادقية (في نفس اليوم وقعت مظاهرة باجة النسائية) وقع اجتماع حضرته مختلف التيارات. وكانت هناك أيضا “صوت الطالب الزيتوني”.
وأضاف التريكي قائلا: “انخرط الشعب في الكفاح وتوقفت نشاط الجمعيات. منظمة صوت الطالب الزيتوني تركت الطلبة يساهمون في الكفاح فرادى. أما “الكتلة الزيتونية (أسسها الدستوريون) فلم تكن قادرة عن الإفصاح عن نفسها داخل جامع الزيتونة، لأنها كانت تتعرض لعنف جماعة “صوت الطالب”. حوالي شهر جوان 1951 اتصل بي حامد الزغل وآخرون وفكرنا في العودة للنشاط، ووقع اجتماع بجامع صاحب الطابع ولكن بعد18 جانفي 1952 انقطع العمل الطالبي، وبقيت صلات أخرى. وفي أواخر السنة الدراسية 1952 فكرنا مع حامد القروي في إعانة الطلبة المسجونين (الامتحانات ومواصلة الدراسة) وكوّنا هيئة دون صفات، وكنا حوالي 5 أ و6 أشخاص، كل شخص يتكفل بمهمة معينة. كان الرابط بيننا هو عمار المحجوبي، وكانت معنا زكية المنكبي وعبد الحق لسود. وقع التفكير في التنظيم جهويا. في سنة 1952 لم نقم بشيء، ثم قررنا النشاط في 1953. كان يعاضدنا مجموعة من الأساتذة وهم فرحات الدشراوي في سوسة وفي تونس محمد الرزقي والبشير بوعلي ومحمد مزالي…
أما جماعة باريس فلم يكن يربطنا بهم إلا بعض المناشير، التي كانت تصلنا منهم. لقد كنا نعمل بصفة سرية جدا. نحن في تونس كنا قليلين جدا، طالب في الحقوق وأربعة طلاب في المدرسة القومية للإدارة. أصبحت لنا اجتماعات، مرة كل ثلاثة أشهر. اتصلنا بإبراهيم عبد الله (اتحاد المزارعين) وكان في السجن ليعطينا غرفة تكون مقرا لنا. وببادرة من جماعة باريس فكرنا في عقد مؤتمر بباريس، وكان الدكتور الماطري قد أعاننا على توفير مصاريف التنقل، ونحن كنا نجمع أموالا من الطلبة ونسلمها للهادي نويرة عن طريق عمار المحجوبي.
كيف يمثل الطلبة الزيتونيين في مؤتمر باريس؟ أو تمثيل تحت تهديد السلاح
يواصل محمد التريكي شهادته فيقول: “أثيرت مشكلة الزيتونة التي كانت تمثل 15000 طالب فاتصلنا بعبد العزيز العكر مي وأحمد قاسم وكانت لنا معهم جلسات متواصلة وعنيفة، فاقترحوا علينا الالتحاق بالبرلمان الزيتوني. وقال الشاذلي النيفر: في تونس لا يوجد إلا الطلبة الزيتونيين وحتى الصادقيين والعلويين فنحن ندرّسهم.
ويواصل التريكي متحدثا: “لم نفلح مع الإخوان الزيتونيين فبعثنا للشاذلي النيفر احد المقاومين الأشداء، فذهب إليه وقبل أن يبدأ الحديث معه اظهر المقاوم مسدسه ووضعه على الطاولة، وخرج بعد ذلك بموافقة النيفرعلى بعث ثلاثة من الزيتونة إلى مؤتمر باريس وهم: رضا السلامي ومحمد الغرياني وقاسم عزاب. وكان احد المؤتمرين من الشرطة. وكنا نعرفه من تونس. وأعلمت عنه منصور معلى رئيس المؤتمر فأمره بالخروج ولقد كنا نتفق مع الحزب على كل شيء. بعد المؤتمر قدم عمار المحجوبي مطلب تأشيرة للمقيم العام وأصبح عملنا أكثر إحكاما.
شهادة منصور معلّى:
كنا على اتصال كبير بمسؤولي الحزب الدستوري بل نحن دستوريون
اعتبر معلى أن انطلاقة العمل الطلابي كانت في 1951 وأضاف: “في ذلك الوقت كانت هناك حكومة تفاوضية يشارك فيها الحزب الدستوري. ولقد زارنا في باريس الباهي الادغم والهادي نويرة وفرحات حشاد ولم يقنعوننا بجدوى المفاوضات. ثم جاءت رسالة 15 ديسمبر 1951 التي أقرت الحماية إلى ما لا نهاية له. ثم توتر الوضع باعتقال بورقيبة يوم 18 جانفي 1952 واغتيال فرحات حشاد يوم5/12/11952. الجو كان كفاحيا. وفي هذه الظروف تدعمت فكرة تكوين اتحاد طلبة. أصدرنا جريدة :l’étudiant tunisien وكان مديرها سليمان بن خليفة. فأبوه كانت له الجنسية الفرنسية وهو تاجر واتصلنا باتحاد طلبة فرنسا واتحاد الطلاب العالمي ومديره جاك فارجاس حضر المؤتمر المنعقد في جويلية 1953. وبعد المؤتمر حصل ركود وأنا مهمتي انتهت عند ذلك الحد ولم أشارك في النشاط بين المؤتمر الأول والثاني”.
وقال معلى: “أما في خصوص المؤتمر الثاني المنعقد في جويلية 1954 في مقر اتحاد المزارعين، نهج النار، فلقد اتصلت أنا وحامد القروي رئيس الجامعة الدستورية بباريس بمحمد عبد السلام لتنسيق الأمور. التلاميذ كانوا أغلبية في المؤتمر وجماعة باريس ترددوا وكنا 4 اشخاص من باريس مؤتمرين وشاركنا مع حكومة الطاهر بن عمار في المفاوضات في لجنة التعليم، إلى أن جاء تاريخ المؤتمر الثالث (26-29/7/1955) بالحي الزيتوني، وكان مؤتمر النصر وحضرت الحكومة، وتم تنصيب عبد المجيد شاكر الذي لم يكن نائبا في المؤتمر عوضا عن حامد الزغل، لأن الحزب كان يريد ذلك.

حامد الزغل: 3 جانفي 1952 معلى أمر الطلبة بمتابعة مشروع تكوين اتحاد الطلبة
تساءل حامد الزغل فيما يخص الفترة الفاصلة بين الأربعينات واجتماع صاحب الطابع قائلا هل كان اتحاد الطلبة ببادرة من الديوان السياسي أم ببادرة من أشخاص دستوريين. وأضاف “أن الشباب في الأربعينات كان ضد سياسة بن يوسف (التهدئة) وطلب بن يوسف من جميع الشعب الدستورية في أفريل 1945 عدم الاحتفال بكرى حوادث 9 أفريل 1938. كان منجي سليم ضد تكوين شعب تلميذيه في حين كان الهادي شاكر في صفاقس يكوّن الشعب التلميذية والمنجي بالي وحد المنظمات الكشفية وأضاف الزغل قائلا :” نحن كتلامذة في البكالوريا كنا قلة ,11 تلميذا أربعة منهم فقط يهتمون بالسياسة. وفي باريس كنا نشعر بمكانتنا، ومنصور معلى بعث رسالة في 26 نوفمبر 1951 لعبد المجيد شاكر يحدثه فيها عن تكوين اتحاد، وضرورة الاستعانة بالحبيب الشعبوني في صفاقس. الطلبة كانوا ضد إقالة سليمان بن سليمان وقال لنا بورقيبة إذا لم تنجح المفاوضات سنقوم بالثورة، وانا كنت افهم الأمور، ولم احتج مثل منصور معلى. وقبل 18 /1/ 1952 ذهب منصور معلى إلى صفاقس يوم 3 جانفي واجتمع بالطلبة وحثهم على متابعة مشروع تكوين اتحاد الطلبة. وقال حامد الزغل إن الإخوان الزيتونيين كانوا منكمشين في إشارة إلى رفض الزيتونيين المشاركة في تأسيس الاتحاد العام لطلبة تونس.
من جهة أخرى أكد منصور معلى في تدخل ثان أن اسم الاتحاد اقر بالتسمية الحالية خلال المؤتمر الثالث، اثر ضغط جهات أجنبية وبموافقة بورقيبة. إذ انعقد المؤتمر الأول تحت اسم الاتحاد العام التونسي للطلبة.

النقاش
– خلال النقاش ابرز السيد محمد قريمان (زيتوني وأحد الذين عاصروا تلك الفترة) أهمية الزيتونيين في النضال الوطني وارتباطهم الشديد بالأوساط الشعبية وتأثيرهم العميق فيها، ودورهم في إسقاط حكومة الكعاك، واقتحامهم للوزارة الأولى. وكان الحزب يعول عليهم. ولكن بعد ذلك تم التنكر لهم وأدخلهم صالح بن يوسف السجن وأهانهم فسجن البدوي والعكرمي وآخرون والمدرسيين لم يكن لهم أي تأثير.
– عالم الاجتماع عبد القادرالزغل اعتبر أن تعيين عبد المجيد شاكر على رأس الاتحاد عوض الانتخاب كان أول انقلاب في تونس باسم الدولة. وقبل به الدستوريون. فاجبه معلى بان الحزب يطاع. ورد عليه حامد الزغل بان الاتحاد متاع الدساترة. وقال إن كل الطلبة قبل 1952 كانوا دستوريين وان أول وثيقة كتب فيها u.g.e.t صدرت في باريس في 2/04/1952 باسم الهيئة التنفيذية والحال انه لم تكن هناك أي هيئة. وأضاف انه حصل انشقاق سنة 1955 داخل فرع الاتحاد في باريس تيار مع اتفاقيات الحكم الذاتي وتيار ضدها مع الباهي الادغم وصالح بن يوسف وانحازت الأقلية الشيوعية مع البورقيبيين.

اللقاء الثاني: عيسى البكوش ومنصف الشابي
الاتحاد العام لطلبة تونس من1969 إلى 1971

عيسى البكوش: حاولنا فرض شيء من الاستقلالية
انخرطت على يد يوسف الورداني في الطلبة الدستوريين سنة 1963 وفي دار الحزب كنا ننعت بشيوعيي الحزب وانتخب محجوب القرفالي رئيسا لفرع باريس سنة 1963. وكنا ننادي بضرورة انتخاب الممثلين في الهياكل. ونعتقد أنه لا مجال لبناء الديمقراطية في البلاد إذا لم تبن في الحزب. وتتداول على رئاسة فرع باريس كل من عبد العزيز غشام وعبد الحي شويخة. وإثر مؤتمر طبرقة 1966 وقعت مسيرة احتجاجية في بنزرت قادها القرفالي والورداني ضد تعيين محمد بن أحمد كاتبا عاما للاتحاد ثم وقع الاتفاق عليه كاتبا عاما مع وجود هيئة إدارية من جماعة الورداني وخلال مؤتمر قابس 1967 كان سليم علولو كاتبا عاما وهو من عائلة الورداني والقرفالي. وخلال مؤتمر منزل تميم 1968 الذي ترأسه منجي بوسنينة حصل انشقاق في الصف الدستوري واشترط محجوب القرفالي عيسى البكوش في الهيئة القيادية، وتحصلت على 160 صوتا وفاز القرفالي ب100 صوت وتحصل على الكتابة العامة. وكان محمد داود مكلفا بالعلاقات الخارجية وأنا كلفت بالإعلام والصحافة. أما عناصر القائمة المنافسة فقد التحق منهم الدالي الجازي والمنجي بوسنينة بديوان أحمد بن صالح.
ويضيف البكوش قائلا “أشرفت على الانتخابات التحضيرية لمؤتمر المهدية 1969 واتصل محجوب القرفالي بالقيادة السياسية، وطلب من إدارة الحزب الكف عن التعيين، وذلك في جلسة مع أحمد بن صالح ومحمد الصياح واستجابوا لذلك. وكان من بين المترشحين للمكتب التنفيذي البشير خنتوش وحسن فضة ومصطفى الزغل ورجب الحاجي وعبد الحكيم تقية، الذي كان مسؤولا في المكاتب التنفيذية السابقة. وأشرف الباهي الأدغم على المؤتمر وقدموا له رجب الحاجي كمرشح للكتابة العامة. وحاولت إدارة الحزب إثنائي عن الترشح ولكن محجوب القرفالي رفض وصوت المؤتمر بالإجماع لفائدتي وتم تحوير قانون الاتحاد الداخلي لتصبح ولاية الكاتب العام مدتها سنتان، ووقع ترضية إدارة الحزب بإدخال عناصر يريدها إلى المكتب التنفيذي وصوت اليسار لفائدتي. وكانت المكاتب الفدرالية قد اكتسبت استقلاليتها منذ مؤتمر المهدية، وكان اليسار يسيطر على كلية الآداب، والدستوريون على العلوم. في حين كانت كلية الطب متناصفة بين التيارين”.
ويضيف البكوش “نظمنا أسبوع التعريب الذي وقع إيقافه، واللغة الرسمية بدأت تتبدل تجاهنا رغم أن المكتب دستوري. وكذلك كانت كل المكاتب منذ تأسيس الاتحاد. واحتج بورقيبة على غيابنا عن الاحتفال بعيد الجمهورية وذلك في خطاب ألقاه يوم 29/7/1970 قال فيه أيضا إنه أسس المنظمة (الاتحاد العام لطلبة تونس) لشد أزر الحزب، وأصبحت فيها الآن عناصر مناهضة له، أدخلها أحمد بن صالح. وفكر بورقيبة في حل المنظمة، ثم تراجع عن ذلك.
مؤتمر قربة1971:
أما في خصوص مؤتمر قربة فقد أكد السيد عيسى البكوش أن رئيس المؤتمر أحمد محفوظ ونائبه الأول علي الغرسلي كانا من جماعتهم، وأنه كانت هناك إرادة لإفساد أعمال المؤتمر، وتم التأثير على رئيس المؤتمر واعتدي على نائبه. واقترح النائب الثاني انتخاب القيادة قبل مناقشة اللوائح، فخرج 105 نواب وأصدروا لائحة تعتبر أن المؤتمر لم ينه أشغاله. فأوقف مدير الحزب محمد بن عمارة 4 طلبة عن النشاط السياسي وطرد أربعة آخرين: منهم محمد داود وعيسى البكوش…. وبقينا نردد أن المؤتمر لم ينه أشغاله مدة 17 سنة إلى أن جاء التغيير (7/11 /1987) وسمح لنا بعقد المؤتمر 18 خ ع. وتمت بفضل من رئيس الدولة عودة الروح للمنظمة، وكان لزهر بوعوني معنا، ونظمت لقاء لسمير العبيدي بعد تخرجه مع حامد القروي.

المنصف الشابي (مؤتمِر يساري خلال مؤتمر قربة):
اليسار طرح قضايا غير تونسية واستثمر خلافات الدستوريين الداخلية خلال مؤتمر قربة
قال السيد المنصف الشابي “دخلت الجامعة خلال شهر سبتمبر 1969 في مرحلة مفصلية هامة وكنت قبل ذلك في السجن إذ خرجت منه قبيل امتحان شهادة البكالوريا، التي تمكنت من اجتيازها حسب النظام الفرنسي خارج التراتيب الإدارية العادية، وبجهود شخصية من والدي، وباعتماد تلكس أتى من فرنسا. ذلك أنه وقع طردي من كل المدارس التونسية وكنا على درجة من الحماسة لدخول الجامعة لمواصلة الهم السياسي الذي لم يمت في أذهاننا. لقد دخلت السجن بعثيا وتحولت داخله إلى ماركسي لينيني ضمن مجموعة آفاق، فالبعث لا يستجيب إلا للجانب القومي في الأوضاع التونسية. وتركت في السجن مجموعتي المتكونة من محمد صالح فليس وأحمد نجيب الشابي وعبد الله الرويسي ورشاد الشابي.. كانت مهمتي الوحيدة هي بث الدعوة في صفوف الطلبة، وتكونت الحلقات الماركسية اللينينية التونسية (GMLT) وبسرعة اكتشفت أن المجال مفتوح في الجامعة للعمل بدرجة عالية، لأنه كان هناك صراع في صفوف الحزب فتح أمامنا الباب كشباب يساري. وبسرعة تكونت خلايا تحت اسم لجان ثقافية يعتمد فيها التعيين وكان هناك فرع التاريخ في الكلية، كلية الطب كانت فيها ثمانية فروع منتخبة وهي كلها يسارية. ومن بين ناشطها نجد يوسف الحمروني والنوري عبيد. ومكن ذلك من تشكيل مكتب فدرالي متماسك ومنسجم حول مواقف يسارية. وكانت المرحلة مرحلة بناء موقف وهياكل وأرضية للانطلاق. وكنا عندما نعقد اجتماعا في كلية الآداب تأتينا وفود من كليات أخرى، مما شجعنا على فهم أن الموقف الطلابي معارض للسلطة. وكان بشير عرجون مبعوث كلية الطب والمنصف التريكي مبعوث كلية الحقوق ولخضر لالة مبعوث كلية العلوم. وكانت كلية الآداب وفرع التاريخ فيها بمثابة الجرار للحركة الطلابية في التفاعل مع الأحداث الاجتماعية والسياسية في تونس والخارج، ووجدنا أنفسنا في مواجهة السلطة لمواضيع غير تونسية.
مجيء روجرز إلى تونس فصل بين مرحلتين في التعاطي مع القضايا السياسية طلابيا. لم تكن لنا علاقات مباشرة مع الصين أو الفيتنام بل كان لنا انتماء معنوي. فيوم 9/2/1969 احتل الشارع بشكل كبير وعنيف ضد الزيارة والموقف هو موقف الاتحاد رغم أنه لم يدع إليه. وفي سنة 1970 عندما أردنا تنظيم مائوية لينين في مقر الاتحاد وجدنا العون من عيسى البكوش رغم رفض القيادة الحزبية لذلك، الشيء الذي أحرج البكوش وعياض النيفر. لقد كنا متزمتين وبعيدين عن الساحة الوطنية، ورفضنا انتماء الاتحاد للحزب كما نصت على ذلك بطاقات انخراط سنة 1970. كان كل الطلبة منخرطين في الاتحاد وكنا ضد تسلط الحزب وكانت هذه أرضية مؤتمر قربة.
خلال ندوة وطنية لطلبة الحزب في صيف 1970 ظهر الخلاف الداخلي بقوة وبرزت ملامح مؤتمر قربة والصراعات داخل الحزب كانت أشد من تلك القائمة بيننا وبينه، وكان لنا أمل في تحالف واسع من أجل استقلالية الاتحاد. كان هناك 36 مؤتمرا ماركسيا لينينيا وأربعة شيوعيين من بين 175 مؤتمرا في قربة 1971، والانتخابات القاعدية تمت تحت إشراف المكتب التنفيذي وبحضور البوليس على أبواب الاتحاد وكان الجو مشحونا.
وحول المؤتمر ذاته قال المنصف الشابي كنا كيسار ضد التصويت على اللائحة السياسية لأن مشروعنا لن يمر، ولكن سهل لنا ذلك انقسام الطلبة الدستوريين، وقُِرأت اللائحة فقرة فقرة، وعوض ثلاثة أيام امتد المؤتمر على عشرة. اتصل الهادي نويرة طالبا حلا مباشرا. وفي اليوم الحادي عشر وعند عودتنا من الغذاء وجدنا أبواب القاعة موصدة، وتمت قراءة أسماء أعضاء الهيئة الإدارية دون حضورنا، واكتشفنا أن قوات النظام العام تطوق مقر المؤتمر (مدرسة ترشيح المعلمين بقربة) وتم إخراجنا ولم يجد شفيق بن رمضان ممثل قرونوبل وقتا لجمع أدباشه. وأصبحت القيادة النقابية دون شرعية رغم علاقتنا الطيبة بالحبيب الشغال ولكنه وضع في فوهة المدفع.
عند العودة الجامعية كان البوليس يهيمن على الجامعة وكان كل إضراب يواجه بالعنف عن طريق عمال الرصيف الذين كان يأتي بهم الحزب في شاحنات للجامعة لمواجهة الإضرابات وأشهرها إضراب قسم الجغرافيا. وتصلب موقف الطلبة وأسسنا هيكلا من خمس وعشرين طالبا (فدرالية ما بين الفروع) منهم الحبيب مرسيط وبن ترجم والمنصف لسود.. وفي نهاية جانفي وقعت مضايقة سيمون للوش زوجة أحمد بن عثمان فنظمنا تحركات احتجاجية في المركب الجامعي وقررنا مواصلة أشغال المؤتمر 18 ولما كنا بصدد انجاز النص الختامي تدخل البوليس وتشتت شمل الطلبة، كان ذلك يوم 5/2/1972.

النقاش: حركة آفاق لم تكن حاضرة في مؤتمر قربة:
– في رده على سؤال حول طبيعة التحالف الذي أنتج الأغلبية المناهضة للدستوريين المحافظين الذي أمضى عريضة الـ105 قال المنصف الشابي إن تحالفا موضوعيا نشأ فبل المؤتمر بين اليسار الدستوري والقوى اليسارية تحول إلى تحالف ميداني خلال المؤتمر وكانت القوى اليسارية مكونة من متعاطفين مع آفاق غير أعضاء بها لأنها كانت تعتمد تكتيك الحزام عوض التنظيم مثل بن ترجم ومرشد الشابي والحلواني بالإضافة إلى مجموعتنا الـ GMLT -وكانت منظمة- والشيوعيين مثل رشيد مشارك والبعثيين مثل فرج منصور ومنصف لسود، بالإضافة إلى عدد من اليساريين غير المنتظمين مثل لخضر لالة وكانت حركة آفاق تحت وطأة الملاحقات الأمنية وهناك خوف من تدمير التنظيم إذا ما أعيد بناؤه وهو ما حصل سنة 1974 عندما كانت بصدد تكوين حزام حول الجامعة على يد سالم بن يحي. وأضاف أن انشقاق الدستوريين هو الذي أدى إلى حصولنا على الأغلبية.
– وتدخل السيد محمد بلحاج عمر (الأمين العام السابق لحزب الوحدة الشعبية وأحد أنصار تيار بن صالح –اليسار الدستوري – خلال مؤتمر قربة) خلال النقاش موضحا أنه نصح أغلبية المؤتمرين بعدم مغادرة القاعة خوفا من الانقلاب، ولكنهم خرجوا لتناول الغذاء فحصل ما حصل.

المصدر:موقع أقلام أولاين الإلكتروني ( دورية فكرية سياسية  وتصدر مرة كل شهرين) العدد23  السنة السابعة  ماي|جوان  2009.

Advertisement