منظمة الشعلة – تونس

ينطلق خطنا الوطني الديمقراطي الشعبي في بلورة رؤاه لكل التطورات و اللحظات التاريخية الحاسمة التي شهدها قطرنا تونس و وطننا العربي و العالم من ثوابت مكّنته دوما من صياغة مواقف منحازة لمصلحة الشعب و قواه الطلائعية و ساعدته على تنقية صفوفه من المرتدّين و الخونة على مدى قرابة أربعين سنة منذ نشأته.

          و بما أنّ اللهيب الّذي أحرق سلطة عصابة المافيا و الحزب الحاكم بتونس بعد انتفاضة مجيدة استمرّت لأكثر من شهر و تتواص لحدّ اليوم يشكّل منعرجا تاريخيا في حركة الصراع الطبقي و الوطني بتونس بعد تراكمات استمرّت عدّة عقود منذ الإضراب العامّ في 26 جانفي 1978 و عمليّة قفصة البطولية في 27 جانفي 1980 و انتفاضة الخبز في 3 جانفي 1984، فإنّنا نرى من الضّروري أن نذكّر في نصّنا التحليلي هذا لانتفاضة جانفي 2011 المجيدة بمنطلقاتنا الأساسية و ثوابتنا الّتي تقودنا في تحليل مميّزات الوضع الرّاهن و في فهم مكوّنات المشهد السّياسي بكل متناقضاته لنصل إلى استنتاجات موضوعيّة و علميّة و مهامّ ملموسة بعيدا عن المزايدات اللّفظية و “الثورجية” و العنتريّة و بعيدا عن الركون و السّكون و التّذيّل و بعيدا أيضا عن نشر الأوهام في صفوف الجماهير.

I) منطلقات أساسيّة لفهم الوضع الحاليّ

دعا برنامجنا الوطنيّ الدّيمقراطي إلى إنجاز ثورة وطنية يمقراطية شعبية. و اعتبر خطّنا أنّ تونس كجزء من الوطن العربي وقعت منذ 1956 تحت سيطرة الاستعمار الجديد و حكمتها سلطة البرجوازية الكبيرة و العميلة و كبار الملاّكين العقاريين الّتي أقامت نظاما لاوطنيا و لاديمقراطيا و لا شعبيا و لم تبن اقتصادا وطنيا و لم تحرّر الأرياف من التخلّف الاقتصادي و فرضت نظاما بوليسيا ديكتاتوريا يشتدّ تسلّطه و قمعه كلّما تعمّقت أزمته و تجذّرت حركة الصراع الطبقي و الوطني في بلادنا. و تدخّلت الامبريالية العالمية و على رأسها الامبريالية الأمريكيّة دوما لتوجّه سياسة النّظام العميل على كلّ المستويات بما يضمن الحفاظ على مصالحها فكانت سياسة التعاضد في الستّينات، و سياسة غزو رؤوس الأموال الأجنبية في السّبعينات، و سياسة الإصلاح الهيكلي في الثمانينات، و سياسة تحرير الاقتصاد خلال العشريتين الماضيتين في ظلّ العولمة الّتي اقترنت على الصّعيد الاجتماعي بتفاقم تفقير الجماهير و تضرّر فئات اجتماعية تتّسع قاعدتها أكثر فأكثر إلى جانب اشتداد الصّراعات داخل سلطة الحزب الحاكم و الطبقات العميلة في مواجهتها لنضالات الجماهير المتصاعدة و في تقاسمها لثروات البلاد.

و بقدر ما كانت الأزمة داخل السّلطة بين الأجنحة المتصارعة جزءا من المشهد السّياسي العامّ رغم ثانويتها، فإنّ الصّراع الأمريكي/الفرنسي ثمّ الأمريكي/الأوروبّي على التّحكّم في الأوضاع بتونس مكوّن آخر من مكوّنات هذا المشهد يرتبط بمصالح الامبريالية العالميّة في وطننا العربيّ و في علاقة وطيدة بالصّراع العربي الصّهيوني و بمحاصرة المقاومة المسلّحة في أيّ جزء من وطننا و في الوقوف ضدّ تيّار الوحدة و التّحرير.

شكّل انقلاب 07/11/1987 الّذي نظّمته الامبريالية الأمريكية في محاولة لإخراج النّظام التّونسي من أزمة صراع الأجنحة على خلافة بورقيبة و نصّبت الجنرال بن علي على رأس النّظام و دعته لبثّ وهم الديمقراطيّة و الإصلاح و التّغيير حتّى تتمكّن من تمرير مشاريعها الاقتصاديّة و السّياسيّة في تونس و في الوطن العربي و من فرض الاستسلام القومي و تمرير التّطبيع مع العدوّ الصّهيوني.

وقف خطّنا بكلّ قوّة ضدّ الأوهام الّتي انتشرت حول “الديمقراطية” بعد انقلاب 7/11 الّذي صنعته المخابرات الأمريكية، و طهّر صفوفه من الّذين سقطوا في فخّ هذه الديمقراطية المزعومة، و أكّد خطّنا على تواصل النّضال الوطني الدّيمقراطيّ و على أهمّيّة الالتحام بالجماهير في الأحياء و المصانع و الأرياف و أعطى أهمية كبرى للعمل في الأرياف التي انطلقت منها انتفاضة الخبز في 1984 لتشمل لاحقا المدن و طوّر الخط بعدا عربيا في نضاله من خلال استشهاد العديد من المناضلين المنخرطين في صفوف المقاومة للعدو الصهيوني. و استنكر خطنا بكل قوة و حزم مساندة العديد من المنظمات المحسوبة على اليسار لنظام 7/11 في حملته القمعية الشرسة للحركة الإسلامية رغم الاختلافات العقائدية الجوهرية معها و ساهم العديد من المناضلين في المواجهات الطلابية و الشعبية التي شهدتها تلك المرحلة فيما كان “دعاة اليسار” المزعومين يمارسون الوشاية ضد الإسلاميين على شاشة تلفزيون بن علي.

لقد زوّدت جحافل الأحزاب الإصلاحية و اليسارية الانتهازية ثم لاحقا العديد من الإسلاميين المرتدين سلطة بن علي بكوادر و مستشارين و وزراء ووشاة ساهموا في تعزيز سلطته و مكنوه من إقامة نظام بوليسي ديكتاتوري شرس مافيوزي، بل أن البعض منهم انخرط في لعبة “الديمقراطية المزعومة” و كان جزءا من ديكور ديمقراطي زائف إلى آخر انتخابات حصلت في 2009 رغم العزلة التي أصبحت عليها سلطة المافيا شعبيا بسبب نهبها اللاّمحدود و تضرر فئات واسعة من الشعب من السرقات و السطو ومن سياسة القمع و انتشار الفضائح على نطاق عربي و عالمي.

أكّد خطّنا في قراءته للأوضاع وبتتبّعه للنّضالات الشعبية في الجامعات و المدن و الأرياف أنّ الانتفاضة القادمة ستكون أشمل و أوسع من حركات 70 و 80. و كنّا نؤكّد، انطلاقا من ثقتنا في الشعب و في قانون حركة الصّراع الطبقي كقانون وحيد محرّك للتّاريخ أنّ الحركة القادمة لجماهيرنا ستتطلّب تضحيات جسام و تتطلّب من طلائع الشّعب المخلصة لذلك أن تستعدّ لهذه المعركة و أن توحّد صفوفها و تتخلّص من أوهام المراهنة على ديمقراطية بن علي و من سيرها في ركاب الحركات البورجوازية الوطنية ومن فهمها المنحرف لعلاقة المسألة الديمقراطية بالمسألة الوطنية حيث ترفض الكتلة المرتدة التي خرّبت خطّنا و أجرمت في حقّ الشعب النّضال ضدّ عصابة بن علي بدعوى “مركزية القضية الفلسطينية” و بدعوى “أضرار الحرب الأهلية البليغة على الذضال القومي” و غيرها من الأكاذيب الّتي كانت تخفي جبنا و استسلاما طبقيا و وطنيّا لنظام بوليسي عميل مافيوزي بدأت الامبريالية نفسها تحضر للتّخلّص منه.

و قد نبّه خطنا لخطورة لجوء بعض الأحزاب للتّعامل مع السّفارة الأمريكية و السّفر إلى الاتحاد الأوروبي و احتضان منظمات مشبوهة لملتقيات سياسية و نقابية و اعتبر أنّ إسقاط بن علي لا يكون بالمرّة إلاّ بالاعتماد على الجماهير و ليس بالانخراط في الديكور الديمقراطي أو المراهنة على القوى الامبريالية العالمية أو على صراع الأجنحة داخل النظام.

تلك هي الثوابت العامّة لخطّنا الّتي تعتبر أنّ ديناميكيّة العلاقات الطبقية في مجتمعنا تتحكّم فيها عدّة إرادات و مصالح:

->إرادة الجماهير الشعبية المناضلة و مصالحها التاريخية

–>مصالح الطّبقات الحاكمة و ارتباطاتها بالامبريالية و صراعاتها الدّاخليّة

–>مصالح الامبريالية العالميّة و صراع النّفوذ بين مختلف قواها و مكوّناتها من أجل الحفاظ على مصالحها في تونس و عربيا

II) دروس من الانتفاضة المجيدة:

لسنا في حاجة في مثل هذا النّصّ أن نزايد على بطولات شعبنا الصّامد بجمل و ألفاظ ثوريّة جسّدها شهداء الانتفاضة و شجاعة المتظاهرين على أرض الواقع في ملاحم و ممارسات يوميّة تتواصل منذ أكثر من شهر. بل نحن في حاجة لفهم المسار الذي توّج بسقوط عصابة بن علي و بقراءة علمية لهذا المسار تبتعد عن الأخطاء الّتي تتكرّر في مثل هذه اللّحظات التاريخية و خاصّة منها خطأ عدم رؤية الأشياء و الظّواهر بكلّ مكوّناتها.

->تميّزت انتفاضة ديسمبر/جانفي بخصوصيّات بارتبطها بالواقع الخاصّ الّذي كانت تمرّ به تونس في السّنوات الأخيرة على مستوى جهاز الحكم و كذلك على مستوى القاعدة الشّعبيّة الواسعة الّتي عبّرت في الرّديّف و بنقردان و الصّخيرة و جبنيانة و في حركة الإضرابات بالمعامل و الجامعات عل قدرات نضاليّة و استعداد عال للتضحية.

->انطلقت الانتفاضة من الأرياف، و من مدن تسود فيها الأنشطة الفلاحية و تشكّل مناطق حرمان و فقر و بطالة في تواصل مع الحرمان الّذي ساد منذ مرحلة الاستعمار المباشر.

–>شكّل انخراط الاتّحاد العامّ التونسي للشغل تحت ضغط قواعده المناضلة دفعا للانتفاضة و هو ما يعني التحاق المدن، أي التحاق الطّبقة العاملة و صغار الموظّفين المدّ الجماهيري، و هو ما شكّل تعميقا لعزلة النّظام و إضعاف لقدراته القمعيّة في مواجهة الانتفاضة و عجّل بسقوط العصابة.

–>عمّقت الانتفاضة الصّراعات داخل جهاز الحكم و أربكته حيث تتالت القرارات و الخطب من قبل بن علي و وجدت عصابة هذا الأخير نفسها معزولة بعد فقدانها للدّعم الامبريالي الأمريكي و لقيادة الجيش العليا الّتي رفضت إطلاق النّار على المنتفضين.

->تمكّنت الانتفاضة التاريخيّة من إسقاط سلطة عصابة بن علي و وجّهت ضربة قاصمة للحزب الحاكم و فرضت مكاسب عديدة تتعزّز كلّ يوم بمكاسب جديدة من خلال تعبئة جماهيريّة لم يشد تاريخ تونس المعاصر مثيلا لها و من خلال ممارسة أشكال تنظّم شعبيّة و فرض إرادات جماهيرية تشكّل أوّل تجربة لنواة سلطة شعبيّة قادمة.

–>لم تسقط الانتفاضة النّظام اللاوطني و اللاديمقراطي و لن تكون قادرة على ذلك بحكم غياب الأدوات الضروريّة لذلك، و هي انتفاضة ديمقراطيّة شعبيّة أساسا ستفتح آفاقا واسعة أمام الطّبقات الشعبية لتتنظّم و تتدرّب و تستعدّ لخوض نضالات جديدة من أجل الحفاظ على المكاسب و إنجاز مهامّ جديدة بأبعادها الوطنيّة و القوميّة دون السّماح للامبريالية العالميّة بمسك أيّ فصل من فصول حركة الصّراع الطبقي و الوطنيّ.

–>دخل الجيش لأوّل مرّة مسرح الحياة السياسيّة في تونس و قد استفاد من مساهمته في إسقاط عصابة بن علي و الحزب الحاكم و اكتسبت قيادته تجربة في إدرة الصّراع ستمكّنها لاحقا من استثمار هذا الرّصيد عند حدوث أ ية تطوّرات سياسيّة و اجتماعيّة قد يشهدها قطرنا.

III) المشهد السياسي بمختلف تناقضاته:

لا يخفي الثّوريّون الحقيقة عن الجماهير. و يتجنّب الثّوريّون زرع الأوهام مثلما لا ينتقصون من قدرات الشّعب الخلاّقة على صنع المعجزات و إنجاز التّحوّلات التاريخية.

لقد شكّلت انتفاضة ديسمبر/جانفي علامة ساطعة في النضال ضدّ الديكتاتوريّة و السّياسة اللاّشعبيّة لسلطة بن علي و الحزب الحاكم ستكون لها أبعادها و تأثيراتها على الساحة القومية العربيّة و هو ما تبرزه الأحداث كلّ يوم في العديد من الأقطار، كما أنّها ستفتح مجالا خصبا لثقافة و عمل سياسيّين و فكريّين شاسعين يتطلّب منّا قدرات كبيرة للتّأثير فيهما.

لكنّ وفاءنا لخطّنا و لقراءتنا لواقع قطرنا في علاقته بمحيطه العربي و الدّوليّ يجعلنا ننبّه للمسائل التالية:

–>اختلطت في هذا المسار النّضالي مصالح فئات اجتماعية متعدّدة، فمنها الكادحة و منها المنتمية إلى فئات اجتماعيّة متوسّطة و أخرى عليا لها ارتباطات بمصالح امبريالية و إن أخفت ذلك مؤقّتا تحت يافطة “الديمقراطية” و “الثورة الشعبية” و غيرها.

–>تسعى كلّ فئة، دفاعا عن مصالحا للتّنظّم و لإيجاد الأداة السّياسيّة المعبّرة عن مصالحها الطبقيّة و عن مرجعيّتها الإيديولوجيّة. و ستستميت هذه القوى لافتكاك مواقع في المنظّات المهنيّة و مؤسّسات الدّولة و لمحاولة كسب ثقة الجماهير و الترويج لبرامجها السياسية، الأمر الّذي سيقوّي من حركة الصراع الطبقي و الوطني في القطر خاصّة إذا أضفنا إليه مطالب الجماهير الاجتماعيّة و الاقتصادية المشروعة الّتي ضحّت من أجلها و الّتي لن تسكت على أيّة لامبالاة تجاهها.

–>علينا أن ننبّه إلى مسألة هامّة، فالظاهرة الديمقراطية في المجتمعات الما قبل رأسمالية تتميّز بهشاشتها.فهي كظاهرة ليست لها قاعدة مادّيّة متينة، ثمّ إنّ قاعدة المجتمع المادّيّة المتخلّفة تنتج باستمرار رؤى و برامج فكريّة و سياسيّة مضادّة لحركة التّاريخ و لمصالح الجماهير تهدّد هذه المكاسب الّتي تحقّقت بعد انتفاضة 2011 و تجعلها تحت رحمة الأعداء المتربّصين بها.

إنّ ذلك يدعونا للقيام بدورنا في الدفاع على هذه المكاسب و المحافظة عليها و ذلك لن يكون بسلوك سياسة يمينية منبهرة ناشرة للأوهام و لن يكون أيضا بسلوك سياسة مغامرة لا تراعي المرحلة الّتي يعيشها مجتمعنا.

إنّ جملة هذه المعطيات الأولى تطرح علينا جملة من المهامّ نقترح بسطها للنقا

IV) المهامّ الملحّة

1- تشكيل حكومة مؤقّتة ترأسها شخصيّة وطنية و يتشكّل أعضاؤها من شخصيات وطنية و ممثّلين عن المنظمات الجماهيرية الّتي انخرطت في المعركة و قطعت الطّريق على بقايا حزب الدستور تكون مهامّها:

أ‌- التّصدّي لمحاولات الامبريالية استثمار نضالات شعبنا للتّآمر على نضالات الجماهير من أجل الكرامة والتحرّر في الوطن العربي تحت عناوين حقوق الإنسان و نشر الديمقراطيّة.

ب‌- قطع كلّ العلاقات الاقتصاديّة و السّياسية و الثقافية و الأمنيّة مع الكيان الصّهيوني.

ت‌- التّحضير لانتخابات تشريعية و رئاسية و مراجعة القوانين المتعلّقة بالحياة السياسية.

ث‌- دعوة المنظمات الجماهيرية في كل القطاعات و المجالات لتنظيم ندوات لمراجعة سياسات السلطة البائدة (تعليم، صحّة، سكن).

ج‌- توفير الشغل للعاطلين و رفع الأجور و تجميد الأسعار.

ح‌- إلغاء كلّ أشكال السّمسرة باليد العاملة.

خ‌- تأميم المصانع التي وقعت خوصصتها و التّفويت فيها للرأسمال الامبريالي.

د‌- مراجعة السياسة الجبائية.

ذ‌- احتكار الدّولة و إشرافها على كلّ أنشطة التّوريد و التّصدير.

ر‌- مراجعة الوضعية العقاريّة بالأرياف و إقامة نمط إنتاج فلاحي موجّه لتلبية حاجيات الشعب.

ز‌- العمل على نشر ثقافة وطنية علمية جماهيريّة و التّأسيس لإعلام شعبي حرّ.

تونس في 21 جانفي 2011

Advertisement