نبيل عودة – ولد في مدينة الناصرة 1947 درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . يكتب وينشر القصص منذ عام 1962 نشيط بالصحافة والكتابة الصحفية منذ تلك السنة ..
عمل كمدير عمل ثم مدير إنتاج في الصناعات المعدنية بعد أن أغلقت بوجهه أبواب العمل في التعليم .وواصل الكتابة الأدبية والفكرية ، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تقاعد من عمله اثر إصابة عمل وتفرغ للعمل الصحفي والأدبي منذ مطلع العام 2000 م ..
حيث عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة ” الأهالي ” – التي صدرت 3 مرات في الأسبوع ، وكانت صحيفة مميزة بمواقفها الفكرية والسياسية والأدبية ونقدها الاجتماعي الحاد مما أثار ضدها غضب أوساط سياسية واسعة ومن كل التيارات، ففصل مع رئيس التحرير ولم تنجح الصحيفة بعد ذلك وتحولت إلى أسبوعية تقليدية . يحرر ويصدر اليوم مع آخرين مجلة فكرية ثقافية ( المستقبل ) وينشر مقالات أسبوعية بشتى المواضيع في صحيفة “الأخبار” النصراوية …
صدرت للكاتب 6 مجموعات قصصية و 3 روايات ومسرحية و 3 كتب في النقد الأدبي والفكري .عدا مئات … كثيرة من الأعمال المختلفة التي لم تجمع بكتب بعد
للناقد الفلسطيني محمد توفيق الصواف( سوريا ) دراسة هامة عن بعض قصص نبيل عودة منشورة في كتاب عن أدب الانتفاضة في موقع القصة السورية وفي موقع اتحاد الكتاب العرب ضمن زاوية كتب الدراسات

ليس من السهل على ابناء جيلي ان يتعاملوا بروية مع الواقع السياسي والثقافي المشوه ، الذي بات يسود مجتمعنا العربي في اسرائيل ، ويبدو لي ان له امتدادات عربية ، او ان ما يجري في واقعنا الحزبي والاجتماعي ، هو امتداد معاكس للواقع العربي المريض والمتهالك . ويمكن القول ان تطوير ما يسمى بفكر التواصل مع العالم العربي ، كان تطويرا للتواصل مع انظمة ، وليس مع القوى السياسية الموازية ، مع انظمة تفتقد لمؤسسات السلطة المستقلة ( “شرشوحة” ، كما وصفها بصدق الدكتور عزمي بشارة ، في مقال فاجأني في حدة هجومه .. وفاجأني اكثر بانه يعرف ويمارس النقيض تماما لما يعرفه !!)، وتفرض نظاما من الحكم يعتمد القمع بلا رقيب ، ونفي ابسط الشروط الدمقراطية وحق التعددية الثقافية والفكرية ، وليس تواصلا مع قوى المجتمع المدني ، والتنظيمات السياسية والاجتماعية المناضلة من اجل التقدم الاجتماعي والرقي الاقتصادى والتخلص من انظمة الفساد الشامل .. وهل من دليل ابرز على ذلك من الزيارة التي قام بها “قادة” حزب التجمع الوطني الدمقراطي ( عزمي بشارة واصحابه ) الى النظام السوري في الايام الاخيرة .. ؟
وتحول اسم حزبهم في التلفزيون السوري الى حزب التجمع الوطني في فلسطين ، وحتى لم يذكر انهم اعضاء في الكنيست الاسرائيلي ، وما داموا مجمعين ، مع اصحابهم البعثيين على الخجل من عضويتهم في الكنيست ، فلماذا يخوضون الانتخابات بهذه الحمية وبهذا القتال ، ويصرفون الملايين من الدولارات على حملتهم الانتخابية للوصول الى عضوية الكنيست ؟
هذا نموذج مصغر فقط .. وبالطبع هناك منافسة من الاحزاب الاخرى ، وبعضها باتت احزابا وهمية ، اي لا كيان ملموس لها في وسط الجماهير العربية في اسرائيل
، وحتى الجبهة الدمقراطية ( الحزب الشيوعي الاسرائيلي ) بقياتها المتنازعة والمتصادمة ، لا يوفر بعضهم الفرص للتواصل مع الانظمة العربية ، وليس ، للأسف الشديد ، مع الاحزاب والقوى السياسية المعارضة في العالم العربي ، كما عودنا القادة التاريخيين لهذا الحزب الذي يواجه اليوم الاندثار والتشرذم .
هذا ” التطور ” في الحياة الحزبية ينعكس سلبا على الواقع الاجتماعي للجماهير العربية في اسرائيل ( البعض يتأذى من استعمال اسم اسرائيل ، ويفضل تعابير مضحكة مثل “عرب ال48” و”عرب الداخل “، واعتقد ان هذا هروب من الواقع السياسي الذي لم نخترة ، انما فرض علينا ، وكل محاولات الالتفاف على التسميات تبدو هزيلة وهروبا من الواقع ومن التعامل معه ، ولا يعني استعمال هذه الصيغة او تلك تنازلا عن الموقف الوطني او الموقف السياسي من ممارسات السلطة في اسرائيل ، ومن رؤيتنا السياسية العامة ).
القلق يساورني من المستقبل ، وانا ارى التفكك الاجتماعي الذي بات المميز الأبرز في واقعنا . ومن الصعب عدم رؤية الغياب المتواصل للأحزاب ، عن الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية لشعبنا ، في جذور ما يجري. ان الظهور في دمشق بكنف النظام الفاسد ، لن يخدم قضايانا .. قد يخدم ميزانيات البعض ..ليس الا !!
اطرح هذا الموضوع ، الذي سبق وان كتبت عنه مرات عدة ، لما كان يتسم به دور الاحزاب من اهمية قصوى في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي ، وفي الحفاظ على النسيج الاجتماعي ، والوحدة الوطنية ، ، وليس التشرذم والتفسخ الفئوي والطائفي البغيض .
الأحزاب والحياة الحزبية ، كانت وما زالت هي الصيغة السائدة لتنظيم المجتمع المدني وطرح قضاياه ، وعلاج مشاكله .. واليوم هناك غياب ملموس للأحزاب ( ربما يتواصلون مع جماهيرهم من دمشق او من دول الخليج ؟.. ومن هناك ، عبر التلفزة ” يقودون” الجماهير العربية.. والنضال من اجل المساواة .. ومن اجل حقوق شعبنا ؟؟ وربما من هناك يلقون خطبهم في المظاهرات التي تنظمها احزابهم ؟؟ )
مضامين الاحزاب والحياة الحزبية تشهد تحولات سلبية عميقة للغاية ، بسيطرة الشخصانية والفردانية ، وتبوئها الصدارة في احزابها ، وبانقطاع كامل نسبيا ، عن واقع الناس ، عن الهم الاجتماعي الآخذ في التأزم ، عن الهم الثقافي والمعرفي الآخذ في الاضمحلال ، وحتى عن الهموم السياسية الأكثر قربا واندماجا وتأثيرا على واقعنا الاجتماعي …
استنتاجي ان الاحزاب فقدت نهائيا صلتها الوثقى مع مجتمعها … بصفتها المؤسسات المنظمة للمجتمع المدني ، والناشطة في سبيل مطالبه الاجتماعية ، ومعالجة قضاياه ، والمعبر عن الوحدة الوطنية . احزابنا اليوم هي ” احزاب الاشخاص “.. وباتت تصرفاتها تشكل خطرا على نسيجنا الوطني وعلى تكاملنا كمجتمع وشعب .
انا لا ابالغ في القول ان احزابنا فقدت صلتها بمجتمعها ، واصبح غيابها الاجتماعي صارخا ، وربما ليس بالصدفة ان المنظمات الاهلية والجمعيات المختلفة ، تتبوأ الصدارة اليوم في طرح قضايا مجتمعنا السياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتربوية والاقتصادية والنقابية .. وانا ادعي ان هذه التنظيمات وجدت فراغا خطيرا أهملته الاحزاب .. او لم تعد قادرة على القيام به ، وهذا ما اسميه غياب الاحزاب عن الحياة السياسية والاجتماعية .
اذا كان قادة الاحزاب يظنون ان اجتماعاتهم مع رؤساء وملوك وسلاطين الأنظمة العربية ، وتصريحاتهم التلفزيونية البلاغية ، وادعاء الانتصارات الدون كيشوتية الكاذبة ، يجعل منهم احزابا وطنية ، تعبر عن صوت الشعب وقضاياه ، فهم غارقون في اوهام قاتلة … ويبدو ان الوقت قد فات … وبات من الضروري ايجاد الاطارات المجتمعية المدنية البديلة .
ما هو قائم مأزوم ولا يستحق ان نطلق عليه اسم احزاب .. معظم نشاطها اصبح بيانات الفاكس التي توزع على وسائل الاعلام .. معظمه يذهب الى القمامة .. واصبحت الرحلات السندبادية هي الابرز .. ويتندر الشارع العربي في بلادنا بان ” قادتنا يقومون بين فينة واخرى بزيارات خاطفة الى البلاد ” لتسويق زعامتهم في ظل غياب احزابهم .. لذا ما تبقى لا يستحق ان نطلق عليه اسم “احزاب ” ، لا نلمس وجودها الا في المواسم الانتخابية ، مثل ” الفطاريش ” التي تظهر في مواسم لا تتغير .
ولا بد من ملاحظة هامة ،” القائد السياسي” اليوم هو عضو كنيست ، خارج الكنيست لا يوجد ” قادة ” سياسيون .. وهذا تطور جديد في الحياة الحزبية ” لعرب الداخل ” !!
تخرجت انا شخصيا ، والمئات من ابناء جيلي ، من جامعة فكرية ومعرفية ونضالية فريدة من نوعها .. هي ” جامعة الحزب الشيوعي “.. جامعة ارتبطت بالحياة وهموم الناس ، وجعلت ذلك محورا لنشاطها وتربيتها لآلاف الكوادر .. كان نشر المعرفة والثقافة والوعي السياسي والاجتماعي ، قضية حياة او موت لجامعتي في تلك الأيام .كانت حياتنا مليئة بالحركة والفكر والثقافة .. كان الحزب مثقفا للجماهير ومنظما ومسؤولا عن تكاملنا الوطني ، ويقف سدا منيعا امام الطروحات الفئوية والطائفية . بل من كان يجرؤ على التغني بطائفيته او التحريض ضد الطوائف الاخرى ؟! استطيع ان استعرض عشرات الاسماء من القادة السياسيين والمثقفين الجماهيريين والنشطاء الاجتماعيين وقوافل المناضلين الابطال اللذين تحدوا السلطة وحكمها العسكري الجائر في اصعب السنوات واكثرها قساوة وتعسفا وحرمانا من الحقوق الاولية .. الحق بالعمل .. بعضهم وقف بجسده حائلا دون استمرار عمليات التهجير من الوطن ، وقامت معارك بطولية للحصول على الهوية لمنع مآسي الطرد الوطن ، واصبحت اسماء اؤلئك المناضلين ، وبينهم عدد كبير من المعلمين الوطنيين المفصولين … جزءا من التاريخ النضالي البطولي لشعبنا .. وليس من تاريخ الصراع للوصول الى الكنيست .. واكثر من ذلك ، كان عضو الكنيست الشيوعي موفدا من الحزب ، معاشه البرلماني يحول لحزبة ويتلقى اجرة موظف حزب .. وهي اجرة بالكاد تسد الرمق . انظروا الى واقع هذا الحزب اليوم .. يستحق النعي والرثاء ،الاف المثقفين تركوا صفوفه ، فقد طليعيته السياسية ، وفقد دوره التثقيفي والاعلامي ..ويواجه صراعات شخصية مدمرة .. وفقد قدرته حتى على اتخاذ الموقف الصحيح من بعض القضايا السياسية والاجتماعية الهامة ، رغم اني اعترف انه اكثرالاحزاب واقعية ومسؤولية .. ولكنة بات يفتقد للقدرة على القيادة والحسم ، كيف يقود ويحسم والصراع يأكله من الداخل ، وبعض المتنفذين فيه يعيشون بعقلية ستالينية حتى اليوم ..؟
من يقنعني اليوم ان المتنعمين في البرلمان ، يهمهم واقع شعبهم ، اكثر من تجديد انتخابهم مرة وراء أخرى .. وعبر صراعات مخجلة داخل الاحزاب ؟؟
من يقنعني ان زيارة النظام الفاسد في دمشق هو موقف وطني عربي ؟ من يقنعني ان التغني بوطنية بشار الاسد ونظامه ، ينسينا واقع اعتقال (بلا محاكمات) لمئات وربما الاف الشخصيات الوطنية السورية والمناضلين من اجل سوريا دمقراطية متطورة ؟.. ولن نتحدث عن “الايادي البعثية البيضاء” في لبنان .
لا انعي حزبا بعينه ، انما حياة حزبية أفلست وخَوَت من الفكر والقيم .. كل القيم !!

Advertisement