مجلة الأنباء اللبنانية- 9 تموز/يوليو 2012

منذ بداية الربيع العربي والحملة على الاسلاميين لا تتوقف… يتلاقى فيها الليبرالي الأميركي المتفذلك باليساري التروتسكي النزق بالشيوعي الروسي المتخلف.. ناهيك عن بقايا مخابرات العروبة القومجية (حزبي البعث العراقي والسوري ومخلفات العقيد القذافي الكثيرة).. الحملة على الاسلاميين تبدأ بشيطنتهم أولاً واعتبارهم عنوان التخلف والظلامية القروسطية، فتنتشر عنهم الصور النمطية وما أكثرها وما أشطرنا بها.. ثم تأتي عملية التنظير “السياسي العلمي” ، فتتعجب من هذا العلم السياسي الذي يجعل من الاسلاميين قوى خارج التاريخ والجغرافيا وخارج أي سياق اجتماعي اقتصادي ديني سياسي الخ… ثم يأتيك الاغتيال السياسي: فتارة هم “خطفوا الثورة”، وتارة هم “سلفيون”، وتارة هم “عملاء النظام”، وفي أطوار كثيرة هم “يقبضون من السعودية وقطر”..الخ… وينسى البعض ما كانوا يرددونه من أبجديات التحليل والتنظير في المادية التاريخية والجدلية، أو ما كتبوه عن الديموقراطية وتداول السلطة..

التيار الاسلامي العربي هو أولاً حركات وجماعات واتجاهات بعضها محافظ وبعضها ثوري وبعضها راديكالي وبعضها سلفي وبعضها رجعي وبعضها عقلاني… هو تيارات واسلامات وسلفيات وليس تياراً واحداً أو سلفية جامدة محددة.. وهو ككل تيار سياسي عربي معاصر ظاهرة اجتماعية سياسية معقدة متشابكة لها ديناميتها الخاصة وأطرها ومرجعياتها وسياقاتها…

التيار الاسلامي العربي المعاصر لم يكن في نشأته متطرفاً أو تكفيرياً أو حتى سلفياً…برغم وجود تطرف وسلفية في بعض محطاته ولحظاته التأسيسية…بل لعله نشأ ليبرالياً وطنياً (مثال حسن البنا وحسن الهضيبي ونجم الدين أربكان) ممتزجاً باشتراكية طوباوية (مثال مصطفى السباعي وسيد قطب) وبديموقراطية يسارية غربية (مثال مالك بن نبي وجلال آل أحمد وعلي شريعتي) وبليبرالية تقدمية واعية (مثال الترابي والغنوشي)..

وقد عرف التيار القومي العربي واليساري الشيوعي آيات من التطرف والسلفية دمرت البشر والحجر في تجارب عربية مشهودة..

لم يكن التيار الاسلامي غريباً عن الحراك الاجتماعي بل كان في قلبه. فثورات الربيع العربية كان في قلبها إسلاميون من شتى الأطياف، فهم أبناء هذا المجتمع وهذا الحراك وهذا الوضع الثوري المتأزم.

 في مصر شارك الاسلاميون في تشكيل حركة كفاية وفي اضرابات معظم قطاعات المهن الحرة والجامعات والعمال.. وفي تونس والمغرب وسوريا كانوا الأكثر تعرضاً للقمع والاعتقال.. ومنذ التسعينات تطورت لغتهم وتقدم خطابهم نحو تبني شعارت ومقولات الحوار والتعددية والتسامح والانفتاح والدولة المدنية والسلم الأهلي والديمقراطية..

التيار الاسلامي العربي حمل ويحمل في داخله توجهات وخيارات وبرامج ومشاريع واسعة ومتعددة تبرز فيها تناقضاته وحدوده.. المهم والمفيد هو التعامل مع هذا التيار كواقع اجتماعي سياسي شرعي له حق الوجود والعمل وحق الوصول الى السلطة كغيره، وعلى قوى اليسار والديموقراطية والليبرالية التي تخشى على مكتسبات الثورة والربيع أن تعيد تنظيم نفسها ومراجعة خطابها وأدائها وطرح لغة جديدة وبنية جديدة تستطيع معها أن تستعيد حضورها ورياديتها.. ولا تبكي على وصول الاسلاميين الى السلطة، فهذا هو الصح وليس شواذاً أو استثناء.. وككل وصول الى السلطة (سبقهم اليه القوميون والماركسيون) سيواجه التيار الاسلامي تحديات بناء الدولة والمجتمع، واقامة التحالفات، وصوغ السياسات، وتحديد الأصدقاء والأعداء، وتطبيق البرامج والشعارات، وسيتفاعل معها مثل غيره من التيارات، سلباً وايجاباً.. والنتيجة لن تكون معروفة سلفاً بل هي تتوقف على جهدنا المشترك وعملنا معاً للدفاع عن مكتسبات ثورة الربيع ولصون الأوطان وحفظ وحدة المجتمع ولحماية الديموقراطية والحرية والتعددية ولبناء توافقات وتفاهمات استراتيجية من أجل الوطن والشعب في كل بلد، ومن أجل قضايا العرب والمسلمين، خصوصاً فلسطين.

لذا فان المطلوب هو التركيز على الشفافية والديموقراطية والمحاسبة والرقابة وعلى الحريات وعلى التعددية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف بكل أشكاله وعلى التنمية البشرية وعلى المجتمع المدني وعلى تشجيع قيام مراجعات نقدية لدى كل التيارات، اليسارية والقومية والإسلامية… من أجل التحرر والتنمية والتقدم لكل العرب..

Advertisement