عفيف رزق
اما وقد اكتملت الهيئات الحاكمة في الصين بعدما انهى المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي اعماله في 15 تشرين الثاني، اصبح السؤال مشروعاً حول كيف سيكون الوضع الجديد، لمرحلة تستمر عقداً من الزمن في ظل فريق عمل تم تعيين افراده كما كان متوقعاً؟
لكن، وقبل التطرق لإستعراض الخطوط الرئيسية لما سيكون عليه هذا الوضع، لا بد من العودة الى حفل الإفتتاح حيث القى الرئيس، الذي ستنتهي ولايته في آذار المقبل، “هو جينتاو” خطاباً تضمن، فيما تضمنه، خريطة طريق لعمل الفريق الجديد، وكذلك العودة الى حفل الإختتام عبر الخطاب الذي القاه الرئيس الجديد “تشي جينبينغ” حيث شرح تصوره المستقبلي لمسيرة حكمه.
من اهم ما تميز به الوضع في مرحلة “جينتاو” هو نموّ اقتصادي لامست نسب معدلاته السنوية ما بين 9 و10 في المئة ما عدا في السنتين الاخيرتين حيث شهد الاقتصاد تباطؤاً في النمو لتصل نسبته الى 7،5 في المئة، علماً ان الاقتصاد الصيني، في هذه المرحلة، احتل المرتبة الثانية على الصعيد العالمي. حدث ذلك في ظل أزمات مالية واقتصادية عصفت بمختلف اقتصادات الدول الكبرى، وما زالت المحاولات تتوالى لإيجاد المخارج لهذه الازمات بأقل الخسائر الممكنة. كان لهذا النمو نتائج ايجابية عديدة اهمها تعزيز مركز الصين على الساحة الدولية وتعزيز الصادرات الصينية الى مختلف اصقاع العالم، ومن هذه النتائج نجاح بكين في تنظيم الألعاب الاولمبية في عام 2008، فلمس الجيل الاجنبي المشارك في هذه الالعاب مدى ما تتمتع به السلطات الصينية من حُسن ادارة لهكذا احتفالات…، لكن الى جانب هذه الايجابيات كان هناك العديد من المظاهر السلبية منها، مثلاً، تعزيز دور الاجهزة الأمنية مع ما يعنيه ذلك، ثم بروز، بشكل فاقع، ظاهرة اللامساواة بين مختلف شرائح المجتمع الصيني. ورافق هذه الظاهرة إنتشار الفساد، ومن ابرز علاماتها طرد عضو المكتب السياسي “بو تشيلاي” من الحزب بإنتظار محاكمته بسبب اتهامه بالفساد وإساءة استخدام السلطة، وايضاً ظهور معلومات صحافية اشارت الى ثروات طائلة جمعتها عائلات بعض القياديين من بينهم رئيس الوزراء “وين جياباو” والرئيس الجديد “تشي جينبينغ”.. لقد ركز الرئيس جياباو في خطابه الافتتاحي على محاور عديدة، من اهمها: محاربة الفساد المستشري في البلاد، محذراً من الفشل في هذا الجانب لان ذلك سيؤدي الى “إنهيار الحزب والدولة” معاً، واعتماد “نموذج نمو جديد” يُعطي موضوع الاستهلاك الداخلي اهمية اكبر من التصدير، على ان يرافق ذلك ضرورة مضاغفة دخل الفرد الصيني الذي يقدر حالياً بنحو 3500 دولار سنوياً؛ جعل الصين “قوة بحرية” تلبية لما تعانيه الصين من نزاعات، مع الدول المجاورة كملكية بعض الجزر الواقعة في بحر الصين واخيراً القيام بإصلاحات سياسية حيث قال: “إن اصلاح البنية السياسية هو جزء مهم من الاصلاحات الشاملة في الصين…”، مع إعطاء المزيد من الاهمية لتحسين النظام الديمقراطي وهذا يقتضي إقامة فصل واضح بين دور الحزب ودور الدولة والسماح بمشاركة الشعب في إختيار قادته المحليين…
في حفل الاختتام تحدث الرئيس الجديد “تشي جيبنبينغ” عارضاً رؤيته الخاصة لما سيقوم به، مع فريق عمله، من اجل الامة الصينية. ابتدأ بتقديم الاعتذار من الصحافة لتأخره الاضطراري بعض الوقت، ثم قدم للحضور اعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي السبعة وهو من بينهم. ان ابرز ما لاحظه المراقبون هو “الثقة بالنفس” التي ظهرت لدى الرئيس والهيبة الديناميكية بخلاف “الشخصية الباهتة” للرئيس السابق وفيما خص النقاط الرئيسية التي جاءت في هذا الخطاب: استخدامه تعابير جديدة كالنهضة الكبيرة للأمة الصينية، مشيراً الى الازدهار الذي انفتح امام البلد والاهتمامات ا لتي يرى ضرورة تحقيقها، قال: “شعبنا يحب الحياة كثيراً، فهو يرغب في قيام نظام تعليمي افضل، استقرار في العمل، مدخول اكثر كفاية، امن اجتماعي اكثر ثباتاً، خدمات صحية تتمتع بمستوى اعلى، شروط للمسكن اكثر راحة، بنية تحتية افضل (..) مختتماً حديثه بالدعوة لمحاربة الفساد والبيروقراطية طالباً من الحزب ان يكون في حال تأهب… ان ابرز ما سجله المراقبون على خطاب الرئيس الجديد: اولاً لم يأتِ “تشي” على ذكر الاشتراكية ولا الشيوعية ثانياً لم يُشر الى مفهوم “التنمية العلمية” الذي رفعه “هو جينتاو” الى مستوى نظريات ماركس ولينين وادرجه في قوانين الحزب؛ ثالثاً لم يأتِ “تشي” على ذكر الاصلاحات السياسية؛ ورابعاً استخدم كلمة “زملاء” وليس “رفاق” لدى تقديمه اعضاء اللجنة الدائمة الستة الآخرين. لاحظ الباحث في المعهد الوطني للعلوم الاجتماعية في بكين “ميشال بونين” هذا الاختلاف بين الرجلين واعاده الى: “ان تشي ينتمي الى الجيل الخامس الذي يتصف باسلوب مختلف، اقرب الى الواقع، من الجيل الرابع الذي ينتمي اليه الرئيس السابق”.
بعد هذا الاستعراض للواقع الصيني ولرؤية الرئيس الجديد تجاه هذا الواقع يُطرح السؤال الآتي: ما هي الهيئات التي ستشارك في ادارة الحكم، وممن يتألف فريق العمل الذي سيعمل معه الرئيس؟
في طليعة الهيئات الفاعلة في النظام الصيني “اللجنة الدائمة للمكتب السياسي” التي تتألف من سبعة اعضاء، من بينهم الرئيس تشي ورئيس الحكومة، وليس تسعة كاللجنة السابقة. يُنتخب الاعضاء الخمسة، نظرياً من بين اعضاء اللجنة المركزية للحزب – والقول نظرياً لانه في الواقع يتم الاختيار بعد مفاوضات قاسية بين القادة الفاعلين على الساحة السياسية الصينية -. يُشرف كل عضو على قطاع معين: في الميدان الاقتصادي، الاعلام… تُعتبر هذه اللجنة من حيث التراتبية، اعلى جهة لصنع القرار الذي يتعلق بالقضايا المهمة ويُتخذ بالإجماع. لاحظ المراقبون ان معظم اعضاء هذه اللجنة مُقربون اما من الرئيس الاسبق “جيانغ زيمين” ومن الرئيس السابق “هو جينتاو”. هيئة اخرى تتمتع بسلطة قوية هي “المفوضية المركزية العسكرية” التي تتشكل من 12 عضواً يتم انتخابهم من اللجنة المركزية للحزب، يرأسها في المرحلة الجديدة الرئيس “تشي”، لمدة سنتين بعدها سيتولى رئاستها الرئيس السابق. من اهم المهام الموكولة اليها تأمين الرقابة الحزبية على القوات المسلحة الصينية والبت بجميع القضايا المتعلقة بالشؤون العسكرية وبشؤون الامن الوطني.. ومن الهيئات الاخرى المكتب السياسي الذي يتألف من 25 عضواً، يُنتخبون ايضاً من بين اعضاء اللجنة المركزية. تجدر الاشارة الى ان التيارات السياسة المتنوعة، (خصوصاً الاصلاحيين والمحافظين)، تتواجد في هذا المكتب، الذي يجتمع دورياً للبت بالقضايا المهمة. الى جانب هذه الهيئات هناك بالطبع المؤتمر الوطني للحزب ويبلغ عدد أعضائه حالياً 2270 عضواً ينتخبون على اساس مناطقي أو إقليمي أو بلدي ومن بين افراد القوات المسلحة، يجتمع مرة كل خمس سنوات، ثم اللجنة المركزية التي يبلغ عدد اعضائها 204 اعضاء، تتمتع بسلطة قوية على القضايا السياسية والحزبية، وتجتمع مرة في السنة. واخيراً المفوضية المركزية للتفتيش والتأديب، يُنتخب اعضاؤها من المؤتمر الوطني للحزب وصلاحياتها تنحصر بالاعضاء الحزبيين. اما سكرتاريا اللجنة المركزية فيتم تعيينها من قبل اللجنة المركزية ومهامها ادارة عمل المكتب السياسي ولجنته الدائمة.
هذا على الصعيد السلطة الرسمية، انما وفيما خص التيارات السياسية السائدة داخل الحزب في هذه المرحلة، فقد شهدت الاسابيع الاخيرة صراعاً شرساً على السلطة بين هذه التيارات، انتصر فيها التيار الذي يضم ابناء الجيل الذي خاض معارك عديدة خلال المواجهات العنيفة التي حصلت إبان الثورة الثقافية التي قادها الزعيم الصيني الاسبق “ماوتسي تونغ” بين عامي 1966و1976.اطلق المؤرخون على هؤلاء الابناء ألقاباً عديدة منها: “الابناء الورثة” و”الامراء الحمر”… وينتمي الرئيس “تشي” الى هذه المجموعة ومعه ثلاثة آخرون في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، ومن المعروف ان تشي هو ابن قائد شيوعي سابق، عمل الى جانب الزعيم “ماو”، لكن هذا الاخير طرده من الحزب في احدى حملات التطهير وارغمه على الذهاب الى الريف الصيني مع ابنه “تشي”. انتسب “تشي” الى الحزب الشيوعي عام 1974 وتقلد مناصب عديدة وعلى مستويات مختلفة كان آخرها عام 2007، قبل انتقاله الى بكين، مسؤول منظمة الحزب في مدينة شنغهاي حيث كُلف بحل فضيحة فساد؛ اما الثلاثة الباقون فهم: “زانغ ديجيانغ” تعلم في كوريا الشمالية، وهوابن جنرال في الجيش الصيني؛ “ووانغ تشيشان” والد زوجته شغل منصب نائب رئيس الحكومة، ومقرب من احد القادة المحافظين؛ واخيرا “يو زينغشينغ” وهو ابن وزير الصناعة. شكل هؤلاء الابناء مجموعة صاحبة امتيازات ونخبة مالية حيث استفادت من النمو الاقتصادي. اما نشاطهم السياسي في الآونة الاخيرة فيرى المحلل التاريخي الصيني “زانغ ليفان” انهم يعتقدون ان السلطة عادت اليهم طبيعياً بسبب مكانة آبائهم ويُضيف هذا المؤرخ: “ان هؤلاء ينتقدون العشر سنوات من حكم الاداريين المهنيين – كالرئيس السابق هو جينتاو الآتي من القاعدة الحزبية – ويقولون انهم ممثلو الرئيس تشي الذي سيحصل على دعمهم واستعدادهم لقمع كل المعارضات، دون شفقة، وعلى الرئيس ان يتخلى من الآن عن بعض المصالح ليتيح الفرصة للمجتمع المدني ويستفيد منه، على المدى البعيد، أو لن يتنازل عن قناعاته ويقمع كل النزاعات”.
يقول بعض المهتمين بالوضع الصيني ان الحزب الشيوعي الصيني يمر، في هذه المرحلة، بمنعطف تاريخي مهم مثلما كان قبل 34 عاماً عندما اطلق “دينغ شياو بينغ” سياسة “الانفتاح والاصلاح” عام 1989 فحصلت الصين على المرتبة الثانية في الميدان الاقتصادي العالمي، وعرفت نمواً اقتصادياً عززت به مركزها الدولي، فهل يستطيع الفريق الحاكم الجديد معالجة ما يشكو منه المجتمع الصيني، وخصوصاً الاقدام على اصلاح سياسي يُتيح لهذا المجتمع التقدم الى الامام؟!

Advertisement