الدكتور عزمي بشارة
1. بعد أن جرى تدويل قضية فلسطين وتجاهل بعدها المحلي القائم على صراع بين استعمار استيطاني من جهة، والشعب الفلسطيني وحركة تحرر وطني عربية من جهة أخرى، جرى تبرير نهج المفاوضات والاعتراف بناء على انهيار النظام العربي والدولي الذي استند إليه الصراع. وقد وقع الانهيار في العقدين التاسع والعاشر من القرن العشرين.
2. فشل نهج المفاوضات منذ مدريد في التوصل الى حل عادل ( ولا حتى غير عادل).
3. رفضت إسرائيل قبول أي مبدأ مرجعي للتفاوض، ولا حتى مرجعية غير عادلة. وهذا هو سبب توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة لفرض المبدأ (دولة في حدود 1967) من خارج المفاوضات. وهذا ما أثار حنق إسرائيل. ولكن حق العودة تهمش أكثر بعد هذه الخطوة.
4. كانت المقاومة الفلسطينية بشكلها التاريخي عملية إعادة بناء للهوية الفلسطينية في الشتات، ورفضا للاعتراف بالأمر الواقع الإسرائيلي، وتحفيزا للشعوب العربية على المقاومة.
5. منذ أن فقدت المقاومة الفلسطينية جبهات التماس المباشر مع الأرض المحتلة من الدول العربية (غزة المدعومة من مصر عام 1967، شرق الأردن عام 1970، لبنان 1982) تمحورت المقاومة في الضفة والقطاع، وبعد بدء المفاوضات تحوّلت في نظر “العالم” إلى نقيض للتفاوض، وهكذا مارستها بعض القوى الفلسطينية كنهج بديل للتفاوض.
6. في العام 2006 (لبنان) و2008 (غزة) قررت إسرائيل أن تجعل الحرب ثمنا للمقاومة. وفشلت إسرائيل في القضاء على المقاومة، ولكنها تحولت في لبنان إلى قوة دفاع عن لبنان، وفي غزة إلى قوة دفاع عن غزة. وقد أعلنت ذلك المقاومة اللبنانية رسميا. (أي إنها أصبحت قوة ردع ودفاع عن لبنان). وأثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة أنها قوة دفاع حقيقية. ولا شك ان المقاومة اللبنانية قادرة أن تثبت أكثر من ذلك في اي وقت تفكر فيه إسرائيل بمهاجمة لبنان. بقي مبدأ المقاومة قائما ومحتفظا بأهميته الاستراتيجية الكبرى، ولكن وظيفتها تغيرت في هذه المرحلة، إذ لم تنفذ عمليات مقاومة تذكر منذ تلك الفترة (2006 في لبنان، 2009 في غزة). وفي بعض الحالات نفذت عمليات ذات علاقة بالسياسات الداخلية العربية لا بمقاومة إسرائيل.
7. ولكن قضية الشعب الفلسطيني ظلت محكومة بموازين القوى القائمة على الأرض، والتي تعبّر عن نفسها بتحييد البعد العربي عن الصراع ذاته، وضعف العامل الفلسطييني في الصراع بسبب تشتته في سلطات ، وتكتيكات، وإدارة أزمات من دون اي استراتيجية لإقامة دولة في التفاوض، ولا استراتيجية تحرير في المقاومة. ومن هنا تواصل تهويد القدس، واستمر التآكل في الكيانيّة الفلسطينية على الأرض وذلك بالاستيطان والتقسيم، وتواصل تهميش قضية اللاجئين ، واستفراد العنصرية الإسرائيلية بعرب الداخل.
8. من هنا لا بد من إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني وأدواته بحيث يكون مناقضا للصهيونية وواقع الابارتهايد مباشرة على الأرض، وبحيث يستثمر الرأي العام العربي الصاعد حاليا، ويندرج ضمن أولوياته.
9. تبقى المقاومة محورية كممارسة وكمبدأ وكثقافة رفض للاحتلال. وقد تستعيد دورها الأصيل في المستقبل إذا تطورت الاستراتيجيات العربية اللازمة لذلك. فهي لا يمكن أن تكون فلسطينية فحسب، ويجب ان تصبح فلسطينية وعربية. ومن هنا لا بد من طرح الأجندة الفلسطينية من خلال الصيرورات السياسية العربية الجارية، وعدم تغييبها عنها. ويجب ان تكون المقاومة بعيدة عن استثمارها في الصراعات العربية الداخلية كما كان الحال في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكما ظهرت بوادر جديدة لذلك مؤخرا.
10. ثمة وضع جديد، وواقع دولي يحترم الشعوب العربية التي باتت قادرة على فرض مطالبها ومواقفها دوليا من دون المرور بتبعية الأنظمة المباشرة للغرب. ينسجم النضال ضد الأبارتهايد الاستيطاني الإسرائيلي حاليا مع نضال الشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة، فهو نضال ديمقراطي كما كان في جنوب أفريقيا، ويمكنه أيضا أن يستثمر بحق مركزية قضية فلسطين كقضية عربية. ولا بد لهذا الغرض من التصدي لنزعات انعزالية قائمة عند أوساط في الانظمة والمعارضات العربية على حد سواء. من أجل ذلك يلزم أن يرتفع جيل جديد بأفكار جديدة إلى مستوى القيادة.

Advertisement