اهتم شيوعيو روسيا بالتنظيم الشيوعي في فلسطين، فكان الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تأسس سنة (1919م) أول حزب في المنطقة…وقد اتّخذت النواة الأولى للحركة “الشيوعية” في فلسطين، والتي ظهرت في تشرين الأول 1919، اسم “حزب العمال الاشتراكي”، الذي كان مرتبطاً باتحاد يهودي يساري عالمي اسمه “بوعالي تسيون”، كان يدور في فلك “الصهيونية الإشتراكية” أو “البروليتارية”، إذ كان اليهودي الروسي (روزشتاين) أول قائد لهذا الحزب، ثم أوفدت موسكو قطبين يهوديين من أقطاب الحزب الشيوعي الروسي للتنظيم في فلسطين، وهما: جاك شابيليف، رادول كارن بورغ.. وقد سعت النواة الأولى، بعد ظهورها بفترة قصيرة، إلى الانضمام إلى الأممية الشيوعية (الكومنترن)، التي اشترطت عليها، قبل الموافقة على قبول عضويتها، أن تقوم بتغيير اسمها وتقطع صلاتها بتيارات ” الصهيونية الاشتراكية”. وكان المؤتمر الثاني للكومنترن، الذي انعقد في الفترة من 19 تموز الى7 آب 1920، قد اشترط على كل الأحزاب الاشتراكية الراغبة في الانضمام إلى صفوفه أن تغيّر أسماءها وأن تتبنّى اسم: “الحزب الشيوعي في … (فرع الكومنترن) “، مؤكداً بأن قضية التسمية هنا “ليست شكلية بل تتسم بأهمية سياسية كبيرة”، سيما وأن الكومنترن لم يكن إطاراً للتحالف بين أحزاب وإنما كان، في الواقع، حزباً شيوعياً عالمياً يستند إلى مبادئ “المركزية الديمقراطية”. وبعد صراعات شديدة، شهدت العديد من الانقسامات، أُعلن رسمياً  في التاسع من تموز 1923 عن تشكيل “الحزب الشيوعي الفلسطيني”، وعن موافقة قيادته على شروط الانتساب إلى الكومنترن، الذي شكّل لجنة خاصة للبت في مسألة انضمام الحزب الجديد إلى صفوفه. وفي 26 شباط 1924 أصدرت هذه اللجنة تقريراً أفاد بأن الحزب الشيوعي الفلسطيني قد استوفى “كل الشروط المطلوبة”، وصار يعتبر “فرعاً رسمياً للكومنترن”. وكان جميع عناصر الحزب الشيوعي الفلسطيني في بداية الأمر يهوداً روسيين. ثم أرسلت موسكو  فلاديمير جابوتينسكي فنشط نشاطا ملحوظاً في فلسطين، ثم انتدب (س.افربوخ) اليهودي -الملقب بأبي زيام- لتنظيم الحزب الشيوعي في البلاد العربية، وكان هذا الأخير صديقاً للينين في سويسرا، وأبرز الشيوعيين في فلسطين، وقد تولى رئاسة الحزب الشيوعي في فلسطين من (1924م-1929م(..

هذا التطور نجده  ينطبق حرفياً على بقية الأحزاب الشيوعية العربية مع بعض الاختلافات في التفاصيل الصغيرة.. ففي لبنان وسوريا شكل الحزب الشيوعي نفس اليهودي أبو زيام والأرمني أرتين مادويان واللبناني الماروني المصري فؤاد الشمالي والكردي خالد بكداش، وذلك كفرع للكومنترن…..وفي العراق كانت طليعة الحزب من يهود العراق يليهم الآشوريون والأرمن ثم الأكراد، وكانت انقسامات الحزب وشقاقاته انعكاساً للصراعات في الكومنترن… وفي المغرب وتونس والجزائر كان اليهود والفرنسيون هم من شكّل الحزب وأعطاه صورته ومضمونه.. وفي مصر وحتى العام 1958كان اليهود أيضاً هم أساس الحزب وتشرذماته التي لم يشف منها..ولا يعني هذا الكلام إدانة مؤامراتية وإنما وصفاً للواقع لمعرفة أسباب تعثر الحركة الشيوعية العربية ووقوعها في أمراض التبعية العمياء للمركز الروسي أو لتابعه الفرنسي… فالأحزاب الشيوعية العربية استبدلت التبعية العمياء لموسكو بتبعية للحزب الشيوعي الفرنسي على العموم الأمر الذي يفسر قوة التاثير الفرنسي حتى في نشوء الحركات الماركسية-اللينينية-الماوية العربية كامتداد لمثيلات لها في فرنسا وتشرذمها وفقاً للتشرذمات الفرنسية… وهذا حديث آخر…

Advertisement