يزخر التراث النظري المعاصر الذي يتناول الثورة بأربعة مواقف فكرية متميزة وإن كانت تشترك جميعها في نقاط معينة. أما الموقف الأول فينطلق من مفاهيم وتصورات اقتصادية. فالثورة هي – في المحل الأول- ظاهرة اجتماعية لها أسباب اقتصادية واضحة. ومع ذلك فليس هناك اتفاق كبير حول طبيعة هذه الأسباب.

لكن يبدو أن وجهة نظر ماركس تحتل أهمية خاصة في هذا المجال، أي أن الثورة تنجم عن زيادة البؤس وانتشار الفقر. وهناك وجهة نظر أكدها “توكفيل” هي أن الثورة تنشأ عن زيادة الرخاء.

وقد ظهرت تحليلات اقتصادية غير ماركسية للثورة. مثلاً ان “ثورة التوقعات” التي يشهدها العالم المعاصر (وعلى الأخص الدول النامية) تؤدي إلى إحباطات متزايدة نتيجة عجز الحكومات عن تحقيق الآمال للجماهير.[1]

أما الموقف الفكري الثاني فينطلق من أن الثورة ظاهرة اجتماعية، ومن المحاولات النظرية التي تتسق مع هذا الموقف تلك التي قدمها “جونسون”  Johnsonحيث عرض تصنيفاً لمختلف الحركات الثورية ميّز فيه بين التمدد الفوضوي، والثورة الشيوعية، والانقلاب التآمري، والعصيان الجماهيري المسلح.[2]

ومع أن هذا التصنيف يعاني من جمود نظري مصدره عدم ارتباط هذه الحركات الثورية بأسبابها الإجتماعية، إلا أن استخدام جونوسون لهذا التصنيف كان ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة لدراسة مختلف انماط الحركات الثورية.

ويستند الموقف الفكري الثالث الى قضية أساسية هي أن الثورة تستند الى إحساس الفرد بالإغتراب عن المجتمع الذي يعيش فيه. ويمكننا أن نجد تأكيداً وتطويراً لهذه القضية في كتابات بعض علماء الاجتماع البارزين أمثال ثالكوت بارسونز Parsons وروبرت ميرتون Merton. وهذان العالمان قد تأثرا – بدرجات متفاوتة- في كتابتهما عن الثورة بأعمال علماء النفس السلوكيين والمحللين النفسيين. وعلى الرغم من أن بارسونز وميرتون قد ذهبا في معظم أعمالهما النظرية الى أنهما ينطلقان من مفاهيم سوسيولوجية في معالجة الظواهر الاجتماعية، الا أن تحليلاتهما للثورة قد كشفت عن نزعة سيكولوجية واضحة.وهكذا بدت الحركات الثورية – في نظرهما- وكأنها حالات مرضية علاجها ربط الفرد بالمجتمع وتكامله معه. وهذان العالمان انطلقا في تحليلاتهما من النزعة البنائية الوظيفية التي لا تمنح التغير الثوري دوراً هاماً في تحديد حركة المجتمع .[3]

وينطلق الموقف الفكري الرابع من أن الثورة ظاهرة سياسية تتعلق أساساً باستبدال القوة السياسية. ويمثل هذا الموقف أرسطو وماكيافيلي ولوك. ونتيجة ذلك يمكن تفسير التحولات الاجتماعية في ضوء المعنى السياسي للثورة. إذ إنه من دون وجود عنصر التغير السياسي، فانه يصعب وصف التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية بأنها تغيرات ثورية بأي معنى من المعاني. إن هذا الموقف الفكري من الثورة شأنه شأن المواقف الفكرية الثلاث السابقة، يعتمد على مضمونه الايديولوجي ونظرته الى الغاية القصوى للحدث الثوري.

إن كل ثورة تسعى الى اكساب نفسها قدراً كبيراً من الشرعية حتى قبل أن تظهر الى حيز الوجود. وبدون هذه الشرعية تصبح الثورة عملاً موضوعياً لا معنى له الا التمرد و العصيان.


[1] James C. Davies, “Towards a Theory of Revolution”, The American Sociological Review, XXVII. No 1, February, 1962, P.5.

[2] Chalmers Johnson, Revolution and the Social System, OP.cit.

[3] Talcott Parsons and Edward A. Shils (eds), Towards a General Theory of Action, Harber, NewYork, 1962. Robert K .Merton, contemporary Social Problems, An Introduction to the Sociology of Deviant Behavior and Social Disorganization, Harcourt Brace and World.NewYork.1961.

Advertisement